الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من عظماء الاكراد
القرآن الكريم أعظم كرامة أكرم الله بها عبده، وآجل عطية أعطاها أياه ربه، فهو الذي استمال القلوب وقد شغفها وطار بها عشقا، فسافرت الى النعيم المقيم بجنان النعيم، وعمر بها القلوب حبا وسجهم
الى الشجن فحنت الى الخير والايمان، وكان سببا في هداية الكثير من القلوب القاسية، وكم اهتدى بتلاوته الكثير من الحائرين البائسين، فبلغ الرسالة القرانية بصوت العذب الجميل، كما أمره ربه فاستجاب
واطاع كالملائكة يفعلون ما يأمرون..ويعتبر المرحوم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد الوحيد الذي نال التكريم حظاً لم يحصل عليه أحد بهذا القدر من الشهرة والمنزلة التي تربع لها على عرش تلاوة القران الكريم
لما يقارب من نصف قرن،نال خلالها قدر من الحب الذي جعل منه اسطورة لن تتكرر بمرور السنين بل كلما مر عليها الزمان زادت قيمتها وارتفع قدرها كالجواهر النفيسة، ولم ينس أحداً الشيخ عبد الباسط
عندما كان حياً ولم ينساه عندما توفي.
ولد أبو طارق عبد الباسط محمد عبد الصمد عام 1927 بقرية المراعزة التابعة لمدينة ارمنت بمحافظة قنا بجنوب مصر، يقول المرحوم الشيخ عبد الباسط ان اصوله كوردية ترجع الى كوردستان العراق عندما
جاء جده عبد الصمد الى مصر واستقر فيها وان والده محمد عبد الصمد يعمل موظفا في وزارة المواصلات.وعندما كان عبد الباسط يبلغ من العمر ست سنوات التحق مع شقيقاه الكبيران محمود وعبد الحميد اللذان
كانا يحفظان القرآن الكريم عند الشيخ الأمير في مدينتهم أرمنت لانهم تعلموا باداب الاسلام في بيتهم لأن جدهم الشيخ عبد الصمد كان حافظاً للقرآن ومجوداً ومن الشيوخ الاتقياء والحفظة المشهود له بالتمكن من
حفظ القرآن وتجويده، بالاحكام واحد العارفين فالطريقة القادرية النقشبندية،وأما الوالد محمد عبد الصمد كان أيضاً أحد المجودين للقرآن الكريم حفظاً وتجويداً.
وعندما بلغ عبد الباسط العشر سنوات من العمر اتم خلالها حفظ القرآن الذي كان يتدفق على لسانه كالنهر الجاري طلب من جده وأبيه ان يدرس ويتعلم القراءات السبع فاشار عليه جده ان يذهب الى الشيخ
محمد سليم الذي يسكن في مدينة طنطا ليتعلم على يديه علوم القرآن والقراءات السبع، ولكن المسافة بين مدينة أرمنت ومدينة طنطا كانت بعيدة جداً ولكن الأمر كان متعلقاً بدراسته ومستقبله فعزم على السفر
ولكن قبل يوم من السفر وصل الشيخ محمد مسلم الى مدينة أرمنت ليستقر بها مدرسا للقراءات السبع بالمعهد الديني فيها،ففرح عبد الباسط بهذا الخبر أشد الفرح، فتمت دراسته بالمعهد فدرس،على يديه
الشاطبية التي هي المتن الخاص بعلم القراءات السبع فاتمها ونجح فيها.وفي الثانية عشر من عمره انهالت عليه الدعوات من كل مدن وقرى محافظة قنا وبمساعدة شيخه محمد سليم الذي زكاه في كل مكان
يذهب إليه عبد الباسط.وكانت أمنية عبد الباسط بزيارة السيدة زينب حفيدة المصطفى (ص) وللتبرك بها.ولذكرى مولدها في عام 1950 كانت تجري احتفالية بهذه المناسبة المباركة وكان يحييها عمالقة القراء
والمشاهير كالشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والشيخ أبو العينين شعيشع وغيرهم من كوكبة قراء الرعيل الاول بالاذاعة المصرية وبعد منتصف الليل والمسجد يموج بالاف الزائرين لهذه المناسبة الدينية، استاذان أحد
أقرباء الشيخ عبد الباسط من القائمين على الحفل ان يقدم لهم هذا الفتي الموهوب ليقرأ لهم القرآن الكريم فاذن له القراءة ولمدة عشرة دقائق، وبدأ عبد الباسط في التلاوة وسط تلك الجموع الغفيرة وكانت تلاوته
من سورة الاحزاب، عم الصمت ارجاء المسجد الزينبي واتجهت الانظار الى القارئ الصغير الذي تجرأ وجلس مكان كبار القراء،ولكن ما هي إلا لحظات وانتقل السكون الى صيحات التكبير التي رجت المسجد
(الله أكبر)و(ربنا افتح عليه) كانت العبارات من القلوب وبدلاً من عشرة دقائق امتدت الى أكثر من ساعة ونصف من التلاوات المعطرة من الذكر الحكيم،وقد خيل للحاضرين ان اعمدة المسجد وجدرانه وثرياته قد
انفعلت مع الزائرين كأن السيدة زينب (ع) حفيده المصطفى (ص) تناديهم مع قراءته للقرآن الحكيم وكانت تهتز وتسبح بحمد ربها مع كل آية تتلى بصوته الشجي الملائكي.
وفي العام 1951 طلب الشيخ الضباع من الشيخ عبد الباسط ان يتقدم للاذاعة المصرية كقارئ للقرآن، لكن الشيخ عبد الباسط طلب منه التأجيل لبعض الوقت لأنهاء التزاماته وارتباطاته بالصعيد، وكان الشيخ
الضباع من محبي صوته، ولديه تسجيل لتلاوة الشيخ عبد الباسط بالمولد الزينبي والذي خطف به الابصار والاضواء من المشاهير،فقدم هذا التسجيل للجنة في الاذاعة وبدون حضور الشيخ عبد الباسط،فانبهر به
الجميع بالاداء القوي العالي الرفيع المحكم، فتم اعتماد الشيخ عبد الباسط بالاذاعة المصرية عام 1951 ليكون أحد النجوم اللامعة والكواكب المضيئة في سماء التلاوة.
وبعد عدة أشهر من الشهرة التي حققها في هذه المدة القصيرة كان لابد له من الاقامة الدائمة بالقاهرة مع اسرته التي نقلها معه من الصعيد الى حي السيدة زينب بجوار حفيدة المصطفى (ص) وبكرامتها الى ما وصل
إليه بشهرته والتحاقه بالاذاعة.
وفي العام 1952 زار الشيخ عبد الباسط مع والده السعودية لأداء فريضة الحج، واعتبرها السعوديون فرصة مهيئة ليسجل لهم عدة تسجيلات لتذاع عبر موجات الاذاعة، وكانت أشهرها التي سجلت بالحرم
الملكي والمسجد النبوي الشريف (لقب بعدها بصوت مكة)، وقد تكررت زياراته لبيت الله الحرام ما بين دعوات رسمية وزيارات لبيت الله الحرام لاداء العمرة والحج..ومن أشهر الزيارات له لأحياء احتفال ديني
كبير اقامه أحد اثرياء المسلمين الهنود بالهند، فوجئ الشيخ عبد الباسط جميع الحاضرين يخلعون أحذيتهم في حديقة القصر الكبير ويقفون حفاة وقد حنوا رؤوسهم الى الاسفل واعينهم تفيض بالدمع ويبكون بخشوع
الى ان انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثراً من هذا المشهد الخاشع.
وكان الشيخ عبد الباسط قد قرأ القرآن في المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف والمسجد الاقصى في القدس وكذلك في المسجد الابراهيمي بالخليل وفي العراق وفي أشهر وأكبر المساجد في العالم باسيا وافريقيا وأمريكا
وإنكلترا وفرنسا والهند واندونسيا وماليزيا وبالباكستان مع دول العالم الاخرى.
وكرم الشيخ عبد الباسط من عدة دول منها:
*وسام الاستحقاق من سوريا.
*وسام الارز من لبنان.
* الوسام الذهبي من ماليزيا.
* وسام من السنغال.
* وسام من المملكة المغربية.
* وآخر وسام كرم به بعد وفاته من قبل الرئيس المصري حسني مبارك في احتفال بليلة القدر في العام 1990.
وكان الشيخ عبد الباسط يشغل منصب رئيس نقابة قراء القرآن في مصر الى جانب كونه شيخ المقرئين المصريين.
وفي يوم الاربعاء الثلاثين من كانون الاول من عام 1988 انتقل الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد الى جوار ربه مصاباً بداء السكر المزمن ويوم رحيله بمثابة صاعقة وقعت على قلوب المسلمين في كل مكان من أرجاء
المعمورة وشيعه الاف من المحبين بصوته وادائه وشخصه على اختلاف اجناسهم ولغاتهم لهذا الشيخ الجليل سليل امة الكوردية وكانت جنازته وطنية ورسمية على المستويين المحلي والعالمي حيث قام السفراء المعتمدين
في مصر بتمثيل شعوبهم وملوكهم ورؤساء لدولهم تقديراً لدوره في مجال الدعوة الاسلامية